الموقع الرسمي لمحاور المشاهير عدنان الكاتب

عدنان الكاتب يحاور الكونتيسة كريستيان فون تراب

 

هي مثل أليس في مدينة العجائب، تروي للعالم رحلتها مع الفن والرسم على البورسلين، من مشغلها في القلعة التاريخية Friedberg في فولدرز بقلب جبال الألب النمساوية. سناء الحديثي التقت الكونتيسة “كريستيان فون تراب” Christiane Von Trap في لندن، وقصت لها حكاية عشقها لفن الرسم على البورسلين ومستقبل تصاميمها.

 

تملأ المكان حال دخولها بالبهجة والفرح، بعينيها الزرقاوين اللامعتين وابتسامتها التي تنتقل كالعدوى. جمال شفاف ونقي يمكن أن ترى روحاً عذبة من خلاله، وأناقة متفردة وبسيطة في الوقت نفسه، تخبرك بأنها حتما فنانة. تحمل بين أصابعها الطويلة والرقيقة ألف قصة وقصة بانتظار أن ترسمها للعالم.

 

تعيش مع زوجها الكونت “غاودنز فون تراب” Gaudenz Von Trap المتحدر من أصول نمساوية نبيلة في قلعتهما التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر Friedberg (وتعني جبل السلام) على قمة جبل في مدينة فولدرز وسط جبال الألب النمساوية لتلهم العالم بتصاميم قمة في الروعة. تجمع كريستيان الدقة الألمانية، وعين الفنان، وقلب الطفلة، ونبل عائلة “تراب”، فترسم العالم بطريقتها بتصاميم استثنائية تنقشها بيدها على أواني البورسلين الثمينة. إلى أن أصبح يسميها البعض “آرتيه” Erte العصر في عالم صناعة الخزف بحكم طريقة مزاوجة التصميمات المعاصرة مع التقليدية فجمعت فيها براعة النبلاء، ونضارة الطبيعة في قلعة فرينبورغ وتاريخ عائلة تراب مع ألوان جذابة تعشقها هي،

في حين فشلت شركات كبرى في تحقيق ذلك.

وبقدر ما يمكن أن تعود الذاكرة بكريستيان، فهي تذكر أنها تعلمت لغة الرسم مع لغة الكلمات. في عمر ثلاث سنوات كانت ترسم الموسيقى وأحلامها على الرمل. ولَم تتوقف أحلام كريستيان عند هذا الحد، واستمر ولعها برسم الأشكال الصغيرة وألعاب بيت الدمى.

 

ظلت تُمارس ألعابها المفضلة ولَم تصحُ من طفولتها حتى عندما أصبحت امرأة يافعة، ولكنها هذه المرة ترسم على البورسلين الثمين بالذهب وكريستالات سواروفسكي، لتطرح تصاميمها العصرية بتفرد كبير. ولا تحرص كريستيان تراب على صنع ماركة تجارية تتوفر في الأسواق أينما كان لمنتجات حرفتها بالرسم على الخزف، بل تسعى إلى تجسيد التراث العريق لعائلة فون تراب بكل الإرث والتاريخ والنبل والرقي والفخامة بتصاميم خاصة جدا ومحدودة حسب الطلب بتوقيع الزبون وتنفيذ رغباته وأحلامه بشكل خاص جدا، وتلبيس أي نوع من الأحجار الكريمة والثمينة أو أي معدن كالذهب أو الفضة وما شابه. وتتشعب مجموعة تصاميمها لتشمل أطقمها للبيت وهدايا الزواج أو تزويد اليخوت والموائد الرسمية.

سألنا كريستيان عن تفاصيل رحلتها مع الرسم على الخزف فكانت أجوبتها كما يلي:

 

لماذا اخترت حرفة الصناعة حسب الطلب Bespoke على إنتاج ماركة بتوقيعك مع أنها أسهل بكثير؟

السبب الرئيس لاختياري طريقة الصناعة حسب الطلب وليس ماركة تتوفر في الأسواق هو أن هناك ماركات كثيرة لا تعد ولا تحصى في كل مكان في العالم. ولا أحب لمنتجاتي أن تتوفر في الأسواق، مثلها مثل منتجات المعامل، خاصة أن العمل على كل قطعة يستغرق ساعات طويلة من الجهد والحرفية العالية لذلك أفضل أن أحافظ على خصوصيتها، وأحب أن تكون بصمة الزبون الخاصة عليها وحسب طلبه، بحيث تكون الوحيدة من نوعها. فمن ملاحظتي للكثير من ماركات الخزف المعروفة عالمياً أرى أنها حاولت الخروج من طابعها التقليدي إلى طابع حديث، ولكنها فشلت لسبب ما. أما أنا فوجدت نفسي في الخلط بين هذين الطابعين والجمع بين القديم والحديث.

 

هل هناك أي رابط رحم بين عائلة “تراب” الموسيقية الشهيرة التي روى فيلم صوت الموسيقى the sound of music قصتها وعائلة “تراب” Trapp التي تنتمين إليها؟

نعم، فهناك صلة رحم قديمة تعود إلى القرن الثالث عشر مع عائلة تراب التي تغني، والتي جاءت قصة الفيلم نسبة لها، وهي قصة حقيقية. إلا أن عائلة تراب التي تغني تتحدر من مقاطعة أخرى نمساوية تختلف عن مقاطعة عائلة زوجي، وهم يحملون لقب البارونات، بينما تحمل عائلة زوجي لقب الكونت، وهو أعلى طبعاً حسب تسلسل الألقاب.

 

ومن أين تنحدرين أنت؟

أتحدر من أصول ألمانية، وتحديدا يتحدر جدي وجدتي من قرية اسمها “كاليستادت” Kallstadt تقع في غرب ألمانيا، وهي القرية نفسها التي يتحدر منها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. فقد كانت جداتنا صديقتين حميمتين. وقد أرسلت جدة ترامب رسالة لجدتي بعد أن استقرت عائلتها في نيويورك، وباشرت بناء برج “إمباير إستيت تاور” the empire estate tower  تدعوها إلى الالتحاق بها، وفعلا هاجر جدي وجدتي إلى نيويورك للالتحاق بهم بالباخرة، واستقرا في مدينة بروكلين، إلا أن جدتي لم تستطع الصمود أكثر من 3 أعوام هناك، فعادا أدراجهما إلى ألمانيا ليعملا على إنشاء معمل للصناعات الجلدية الفاخرة.

 

كيف اكتشفت موهبتك للرسم وشغفك للتصميم؟

حين كنت طفلة، كنت مولعة جدا وأدمن اللعب بالأشياء واللعب الصغيرة. وكنت أتحمس جدا للعب ببيت اللعب الصغير وأدوات المائدة والصحون فيه. وكنت دائمة الرسم للأشكال الصغيرة على حواف كتبي المدرسية. بدأت أرسم منذ كان عمري ثلاث سنوات. وأذكر إحدى المرات حين كنت أرسم خطوطا على الرمل حين سألتني أمي: ماذا ترسمين هناك يا كريستيان؟ فأجبتها أرسم حفلا موسيقيا.

 

متى بدأت بالعمل فعليا بالرسم على الخزف؟

كان هذا قبل أن ألتقي بزوجي “غاودنز فون تراب” بعام واحد قبل عشرين عاما. كنت أعيش في مدينة لوكسمبورغ حيث أعمل تقنية لبناء الأسنان، وقد التقيت إحدى الصديقات القديمات بالصدفة، فقالت لي “سمعت بأنك تحبين الرسم والنحت، لماذا لا تنضمين إلى دروسي بالرسم على الخزف؟”، لم أكن أحب مهنتي حينها لأنها تفتقر إلى الإبداع، ولكني كنت أحب المواد المستعملة فيها كالذهب والشمع، فكنت أصنع منها الحلي والمنحوتات. أعجبتني فكرة الرسم على الخزف، وأثارت فضولي، فقررت الالتحاق بالحلقات الدراسية. وحين بدأت بالرسم على صحني الأول لم تكد تصدق مدرستي بأني لم أتعلَّم هذا الفن من قبل. وقد كان المقرر رسم باقة زهور كلاسيكية حين بدأت بالرسم استغرقت من الوقت ساعات وساعات، وظننت أني لن أنجز العمل في الوقت. وبعد انتهائي أخبرتني الأستاذة بأنه الآن يمكنني أن أرسم ما يحلو لي على الخزف، ولم أصدق نفسي حينها. قفزت من الفرح، لأنها كانت اللحظة التي كنت أنتظرها. كانت أستاذتي سيدة بلجيكية مسنة صارمة وكلاسيكية ترسم الزهور والنحل والفراشات. باشرت حالا برسم تصميمي على صحن الخزف، وكان عبارة عن شكل سمكة رسمتها بأسلوب معاصر (ريترو)، وتسبح في بحيرة برتقالية. لم يعجب أسلوبي مدرستي، ووقفت باهتة أمامي لا تدري ما تقول لدهشتها. أما أنا فكنت أعشق تصميمات الستينات الريترو، ومن أكثر الألوان المحببة إلى نفسي اللون البرتقالي.

 

هل كانت إذا دروس الرسم على البورسلين نقطة تحول في مشوارك الفني؟

نعم بكل تأكيد. بدأت أجرب تصاميم مختلفة، ولكني تخصصت في رسم صور الكلاب على الخزف لبضع سنوات. أحب جميع الحيوانات ولكني أعشق الكلاب بشكل خاص، وكان لدي الكثير من العملاء الذين يحبون الكلاب أيضا. وقد حاولت وقتها إضافة بعض الخلفيات الفنية للصورة، ولكن عملائي لم يكونوا من النوع الذي يحب التغيير لأنهم كانوا تقليديين جدا. لم يكن العمل إبداعيا ما يكفي بالنسبة لي.

عدت للعيش في النمسا قبل 14 عاما، ولَم أكن أعرف حينها ما أريد فعله. فبدأت بتدريس الرسم على البورسلين لمدة عامين تقريبا، ولكن هذا لم يروِ عطشي للإبداع بالفن. ولسوء الحظ لم يكن الوقت حليفي في العام الأول من عودتي إلى النمسا، فقد أصيب ولدي بمرض السرطان، وعشت معه المرحلة إلى أن تماثل للشفاء والحمد لله. هذه المرحلة استنزفت طاقاتي كلها، وجعلتني أشعر كأني في حفرة وقد فقدت الاهتمام بكل شيء إلى أن نصحتني صديقة بالعودة إلى الرسم. وقد بدأت بالعودة إلى تصاميمي تدريجيا، وكان هذا قبل ثماني سنوات. وخطر ببالي أن أتصل بعائلة سواروفسكي للكريستال لتطعيم تصميماتي به، وتعاونت معهم في مجموعة صممتها حصريا لقلعة Friedberg.

 

إلى أين قادك سلوك هذا الطريق؟ وكيف انطلقت من هنا؟

أحببت جدا ما كنت أفعله، وشعرت بأنني أحقق حلمي للمرة الأولى. فقررت التواصل مع معمل البورسلين الألماني العريق Reichenbach الذي ينتج للكثير من مصممي الخزف العالميين. ومن هنا كانت انطلاقتي. بدأت قائمة انتظار زبائني تطول في أوروبا لتنفيذ طلبات خاصة لشخصيات مرموقة. وأعمل الآن على مشروع إنتاج مجموعات مختلفة من التصاميم كل مجموعة تتلاءم مع تصميم كل جناح في قلعتنا. ولكنني لا أستطيع أن أخفي حماسي للتعاون مع شركة “هيرلوومز” Heirlooms المتخصصة في إنتاج القطنيات الفاخرة لقصر باكنغهام الملكي، إذ تنتج الشركة أطقم الموائد والمناديل المطابقة لتصاميمي.

 

: لاحظت اهتمامك بالتراث العربي. فقد اخترت العين العربية علامة مميزة، وعلامتك التجارية logo. من أين أتتك الفكرة؟

استعملت العين العربية كثيرا في تصاميمي، لأني أحبها جدا، ولأن العيون تعكس دواخل الأشخاص، ولأنها تمدني بالطاقة الإيجابية والقوة. العين العربية تشعرني بالراحة. وأرى نفسي أشبه العرب بحبي للذهب والألوان الزاهية والترف في أعمالي. ( تبتسم) .. ربما أحمل جذورا عربية، لأني أجدني أنجذب كثيرا للتراث العربي وتدهشني ألوانه.

وبمناسبة ذكر العين العربية، فقد ورثت مجموعة كبيرة من اللؤلؤ من والدتي، وأعتزم الآن أن أصمم من بعضها قرطا على شكل العين العربية تتدلى منها دمعة من اللؤلؤ. لا أستطيع الصبر حتى أنجزها وارتديها.

 

التعليقات مغلقة.