الموقع الرسمي لمحاور المشاهير عدنان الكاتب

Nadine Labaki: علينا الإيمان بأن كل فرد منا يمكنه أن يحدث تغييرا

لامست الممثلة والمخرجة اللبنانية “نادين لبكي” قلوب الناس بالقصص المؤثرة التي عالجت من خلالها مواضيع وقضايا اجتماعية بالغة الأهمية. ولفتت أنظار العالم برؤيتها الإبداعية المختلفة، وصارت أول مخرجة عربية تترشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، وعرض لها حديثا خلال مهرجان البندقية السينمائي فيلم “كوستا برافا، لبنان” الذي أدت فيه دور البطولة، وها هي تتألق من جديد في معرض “إكسبو 2020 دبي”، الذي يجتمع فيه العالم لإعادة تصور غد أفضل، حيث تعاونت مع دار المجوهرات  الفرنسية العريقة “كارتييه”Cartier  لإخراج الفيلم الافتتاحي الذي يستقبل الزوار يوميا عند دخولهم  إلى “جناح المرأة”Women’s Pavilion ، الذي يحتفي بمساهمة المرأة عبر التاريخ في تقدم المجتمع، ويسلط الضوء على الدور الرئيس الذي لعبته النساء في صياغة تاريخ البشرية وحاضرها، ويناقش التحديات التي ما زالت تواجههن.. في “جناح المرأة”، التقيت المبدعة نادين لبكي التي تؤمن بقدرة السينما على إحداث تغيير اجتماعي، لمعرفة المزيد عن الفيلم ، والفرق بين العمل التمثيلي والإخراجي، ونصيحتها إلى المواهب النسائية الصاعدة.

 

حوار: عدنان الكاتب Adnan AlKateb

 

أخبرينا أولا عن علاقتك بدار “كارتييه”  Cartier. كيف بدأت؟

بدأت علاقتنا قبل بضعة أعوام، وما دفعني إلى بناء هذه الصداقة هو شعوري بأن “كارتييه” أكثر بكثير من علامة فاخرة أو علامة مجوهرات. ففي تعاملها عمق حقيقي، وفي مبادئها وعي اجتماعي ملموس. وفي ما يتعلق بتمكين المرأة، أشعر مع “كارتييه” بأنني أتعاون مع علامة تفهمني وأفهمها. علاقتنا أعمق من أن تكون مرتكزة فقط حول الفخامة والمجوهرات، بل تجمعنا أمور أهم من ذلك بكثير.

 

ما الذي دفعك إلى الانخراط في هذا المشروع مع “كارتييه” والعمل على إخراج الفيلم الافتتاحي لجناح المرأة في معرض “إكسبو 2020″؟

هذا المشروع الذي عملنا عليه شجعني، لأننا نناقش من خلاله مواضيع عميقة. وأكثر ما شدني إلى “جناح المرأة” هو فرصة التحدث من خلال عملي على فيلم قصير وثائقي، عن نظرتنا نحن النساء، عن نظرة المرأة إلى المجتمع الذي تعيش فيه، والصراع الذي تمر به، والرؤية المختلفة أو البديلة التي تقدّمها.

من هذا المنطلق، أحببت أن أشارك في هذا التعاون، خصوصا هنا في “جناح المرأة”، حيث أستطيع أن أعبّر عن نفسي، وأن أوصل صوت نساء كثيرات ينطلقن اليوم في دروب حياتهن.

 

لاحظنا أن المشاركات في الفيلم شابات. ما السبب؟

الفكرة خلف الفيلم كانت البحث عن نماذج من نساء أحدثن تغييرا في مجتمعاتهن، من خلال رؤية مختلفة، أو اختراع، أو نشاط يدعم قضايا اجتماعية، أو نضال لتغيير حالة أو خيبة أمل أو ظلم يختبرنه. هدفي كان البحث حول العالم عن هذه النماذج، لأنني أعتقد أننا قد أدركنا، خصوصا بعد جائحة “كوفيد”، أننا لا نستطيع العودة إلى طريقة عيشنا السابقة. نشهد اليوم إعادة نظر في كل شيء، حتى في النظام الرأسمالي وفي كل الأمور التي قد تكون سببا في وصولنا إلى الوضع الذي نعيشه اليوم.

فهمنا أن الإنسان ليس بحاجة إلى عدد هائل من الأشياء المادية. أنا شخصيا اختبرت تجربة العيش المنعزل في أحضان الطبيعة لفترة، بسبب الوضع الاقتصادي في لبنان وانفجار مرفأ بيروت وتداعيات الجائحة. هناك، اكتشفت كم أننا لسنا بحاجة إلى الكثير من الأشياء التي كنا نعتقد أننا بحاجة إليها. لا شك في أن النمط الاستهلاكي والاستهلاك الفائض الموجودين هما نتيجة سنين من غسل الأدمغة. لكن تجربتي مع الطبيعة علمتني أن التقشف يريح النفس، ويدفعنا إلى التخلي عن الأشياء المادية التي لا جدوى منها. لذلك بدأت أبحث في أرجاء العالم عن نساء مؤثرات بوجهات نظرهن المختلفة.

 

أخبرينا أكثر عن هذا الفيلم التعريفي وتفسيره لشعار الجناح “تزدهر البشرية بازدهار المرأة”.

شعار “جناح المرأة” يتماشى مع أفكاري، وقد استوحيت منه هذا الفيلم الذي صورته، وتطلب مني عدة أشهر من العمل. أجرينا الكثير من الأبحاث لإيجاد شابات ما زلن في أول الطريق، وينطلقن على دروبهن حاملات ذهنية مختلفة ورؤية مميزة وأفكارا ريادية لتغيير مجتمعاتهن أو التمرد على الظلم.

 

هل تواصلت شخصيا مع كل المشاركات في الفيلم؟

نعم. وقد تواصلت حتى مع “أوبرا وينفري” التي تعرفت إليها حين دعتني إلى عشاء في منزلها بعد مشاهدتها فيلم “كفرناحوم” الذي أحبته جدا. خلال إعداد الفيلم الافتتاحي لـ”جناح المرأة”، تعرفت إلى شابة من نيجيريا تنفذ مبادرات خيرية كثيرة تركز على منع زواج الأطفال ودعم تعليم الفتيات، وتحلم منذ طفولتها بلقاء “أوبرا”. فأردت أن أحاول تحقيق حلمها، وراسلت “أوبرا” لأسألها إذا كانت توافق على إجراء اتصال مع الشابة النيجيرية. فأجابتني “لم لا؟”، وهذا ما حصل.

 

كيف وجدت كل الشابات الآتيات من حول العالم؟ وكيف استطعت تصويرهن؟

تطلب العمل على المشروع أكثر من سنة. بعد أبحاث هائلة بدأناها في لبنان، تواصلت مع الشابات عبر تطبيق “زوم”. ولأننا لم نستطع السفر بسبب الجائحة، تعاونّا مع فرق تصوير محلية في كل بلد.

 

تشعّين بقوة نابعة من الداخل يلاحظها كل من يلقاك. كيف بنيت وعززت ثقتك بنفسك خلال رحلتك المهنية ومسيرة حياتك؟

قد أعطي للناس انطباعا بأنني قوية جدا وواثقة جدا من نفسي، لكنني من الداخل لست كذلك. لا أملك ثقة كبيرة مطلقة بالنفس. ما أملكه هو حب التجدد، وإعادة النظر، وتحدي النفس، واختبار نفسي كإنسان حي على هذه الأرض. يبدأ الإنسان رحلته وهو لا يعرف إلى أين يمكنه الوصول؛ على هذا المسار، يدفعني في الواقع فضولي لأعرف ما أستطيع تحقيقه.

قد أكون قوية بمعنى أنه ليس لدي خوف كبير أو تردد. أعرف أنه مهما كان الحلم كبيرا، من الممكن أن يتحقق. أؤمن بالأفكار النابعة من القلب ومن شعور حقيقي ومن حاجة فعلية إلى التعبير عن موضوع معين أو سرد قصة معينة، ولدي إيمان كافٍ بذاتي للعمل على الفكرة التي أحلم بها.

هذا الإحساس الباطني هو الذي يعطيني الثقة بالنفس، والثقة بأن الطريقة التي أفكر بها هي الطريقة الصحيحة، أو أن الموضوع الذي أريد التحدث عنه هو موضوع من الضروري أن أتحدث عنه.

 

تعملين في صناعة الأفلام، إخراجا وتمثيلا. ما الفرق الأبرز الذي لامسته بين الفنّين؟

الإخراج يسمح لي بخلق عالم أحلم به أو تأليف قصة معينة أرغب في عيشها. أما التمثيل، فيسمح لي باختبار شخصيات مختلفة. في الحياة الواقعية، لا يمكننا أن نكون كل يوم شخصا مختلفا، وأن نعيش حياة مختلفة، فقد يعتبر الناس ذلك جنونيا أو غير قانوني حتى. التمثيل هو المكان الوحيد الذي يسمح لك بأن تختبر مختلف شخصياتك وطباعك أو طبيعتك الأخرى.

لذلك أحب أيضا التمثيل الذي يسمح بإزاحة غطاء قد تحتمي شخصياتنا فيه، وباختبار أمور قد لا نجرؤ على تجريبها في الحياة الفعلية، خصوصا في مجتمع سريع الحكم. مع التمثيل، أؤدي دورا أختبئ خلفه، وأسمح لنفسي من خلاله بفعل أمور مختلفة قد أتردد أحيانا في الإقدام عليها في العالم الواقعي، خوفا من نظرة الناس القاسية.

 

ما الرسالة التي توجّهينها من منبر “هي” اليوم إلى صاحبات المواهب الصاعدة في السينما الإقليمية؟

الإيمان بأنه لا شيء مستحيلا في الحياة، مهما كانت ظروفها، والإيمان بأن كل واحدة منا يمكنها أن تغير ما حولها، إن كان ظلما أو غضبا أو حالة معينة. علينا الإيمان بأن كل فرد منا يمكنه أن يحدث تغييرا، ويمكنه حتى أن يغير العالم.

 

ما مواصفات الرجل الذي تتمنينه لامرأة عزيزة على قلبك، مثل شقيقة أو ابنة أو صديقة؟

أن يكون صادقا. أقصد الصدق في كل شيء، في عينيه، في تفكيره، في تعامله. فيكون ما تراه هو بالفعل ما تحصل عليه.

 

التعليقات مغلقة.