في جنوب فرنسا وعلى مدى يومين أتحيت لي فرصة التعرف عن قرب على “أنجيلينا جولي” Angelina Jolie إحدى أجمل نساء العالم، ونجمات السينما الأكثر نجاحا، وإحدى الشخصيات الملهمة الأكثر تأثيرا على مستوى العالم، واكتشفت خلال حواري معها أنها إنسانة رائعة بكل ما للكلمة من معنى، وتتميز بذلك السحر الشاعري والبساطة، وتجتمع في شخصيتها الكثير من الصفات المتكاملة من أهمها: القوة من غير حدة، والتواضع الراقي من دون أي تكلف.
فرنسا: عدنان الكاتب Adnan AlKateb
لمست عن قرب كم هي ساحرة وطيبة وشفافة في تعاملها مع الجميع، وهذا ما ظهر جليا وهي تتنقل هنا وهناك، وتتحدث إلى كل من حولها خلال حفل تخريج دفعة عام 2021 من مربيات النحل المشاركات في برنامج “نساء من أجل النحل” الذي ترعاه بنفسها وتعتبر عرابته.
الجمال والإنسانية وكانت دار “غيرلان”Guerlain الفرنسية العريقة اجتمعت واليونسكو UNESCO (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) والممثلة والمخرجة الأمريكية “أنجيلينا جولي” Angelina Jolie في مبادرة “نساء من أجل النحل”Women for Bees، المشروع الإنساني والبيئي الذي يهدف إلى تمكين النساء عبر الاهتمام بالنحل، من خلال سبل مستدامة لكسب العيش. ويسعى إلى بناء شبكة عالمية من مربيات النحل اللواتي يتشاركن معرفتهن وتجاربهن، في ما يتعلق بحماية النحل الذي يلعب دورا كبيرا في أمننا الغذائي. فتحت إشراف خبراء “المرصد الفرنسي لعلوم النحل”، تكتسب النساء المشاركات في البرنامج التدريبي الذي يستمر شهرا، خبرة عملية ومعرفة نظرية في تربية النحل وإدارة خلاياها بمقاربة مستدامة.
الصداقة والحب المتبادل تعرفت “أنجيلينا جولي” إلى دار “غيرلان” في طفولتها، من خلال بودرة “غيرلان” التي كانت تضعها والدتها للمناسبات المميزة. وتستعمل اليوم منتجاتها لنفسها، وتعتبر “غيرلان” من علامات التجميل المفضلة لديها. أما الصداقة بين الدار الفرنسية والنجمة الأمريكية، فبدأت قبل بضع سنوات، حين أصبحت “جولي” ملهمة الدار ووجه عطرها “مون غيرلان”Mon Guerlain. من إعجاب متبادل إلى مشاريع عمل، انتقلت العلاقة إلى مكان أسمى من خلال تعاون إنساني وبيئي لبرنامج “نساء من أجل النحل”.
حين سألت “أنجيلينا” كيف ولد المشروع وعن سبب مشاركتها فيه، أجابت أنها ركزت على بناء علاقة أصيلة حقيقية مع “غيرلان” منذ البداية: “أحيانا مع العطور، قد نرى حياة مزيفة. لكننا مع “مون غيرلان” أظهرنا منزلي الحقيقي، حياتي الحقيقية، عطري الحقيقي”.
صورت الدار آخر إعلان للعطر عام 2019 في بيت “أنجيلينا جولي” في كمبوديا، حيث تشرف النجمة الأمريكية منذ 17 عاما على الكثير من المبادرات الإنسانية ومشاريع التنمية المجتمعية، بما في ذلك بناء المستشفيات والمدارس وحماية الأحراج. وتقول “جولي”: كانت المرة الأولى التي تدعو فيها ناسا إلى بيتها في كمبوديا، وفكرة الحملة الإعلانية ارتكزت حول تصوير حياة واقعية، والغوص في مفهومي الأنوثة والحرية.
وتخبرنا أنه خلال تصوير إعلان “مون غيرلان” هناك، تنزه فريق العمل عدة مرات في أحضان الطبيعة، والتقى بمربي النحل. لدى “غيرلان” طبعا تاريخ مع النحل، وقد ناقش فريق الدار مع “أنجيلينا” عملهما المشترك مع النحل، وتحدثا عن النساء، وعن إمكانية إطلاق مشروع يعمل على تمكين النساء على صعيد عالمي. من هنا، تم الاتصال بالمرصد الفرنسي لعلوم النحلOFA ومنظمة اليونسكو UNESCO ، وعمل الكل يدا بيد لبناء شيء قوي وثابت يدوم وينمو ويكبر ويتطور. وتؤكد “جولي” أنه مشروع إنساني حقيقي.
النساء والنحل أما عن الرابط بين النساء والنحل الذي يشكل أساس برنامج “نساء من أجل النحل” وجوهر فكرته التي تسعى إلى تمكين النساء وحماية هذه الكائنات الملقحة المهمة، فقالت النجمة الأمريكية: إن أحد أهم أسباب النزوح والتهجير هو التغير المناخي أو الحروب الناتجة عن صراع على الموارد الطبيعية. لذلك فإن النحل والبيئة مرتبطان بمعيشة النساء وسبل كسب عيشهن، وبالنزوح الناتج عن التغير المناخي. للنحل منافع كثيرة، وهو من الركائز التي لا غنى عنها في إمداداتنا الغذائية. تهدده اليوم مخاطر كثيرة ناتجة عن النشاط البشري، مثل التغير المناخي، والمبيدات، وفقدان موطنه الطبيعي.
وتضيف “أنجيلينا”: إن متابعة السير في الاتجاه نفسه ستؤدي إلى نتائج سلبية جدا تؤثر في إمداداتنا الغذائية والتنوع البيولوجي في كوكبنا..
حين سألتها عن سبب استهداف النساء فقط في هذا المشروع أجابت: في الواقع، إن مربي النحل حول العالم هم عموما رجال. فيبدو أن الرجل ليس بحاجة مثل المرأة إلى مساعدة كبيرة في الحصول على وظيفة في هذه المجال. اليوم، لا يزال هناك عدد كبير من النساء المعرضات للخطر واللواتي يعشن في ظروف غير آمنة. لذلك، علينا تمكينهن، والعمل على تحقيق المساواة والأمان لهن. وهذا ما يجعل فرصة العمل وفرصة بناء شبكة علاقات نسائية خطوة مهمة جدا لصمودهن وسلامتهن. وأنا مؤمنة أن المرأة تعَلم غيرها، وتشارك غيرها المعرفة التي تكتسبها. علما أن المشروع مفتوح الآفاق، فبرنامج التدريب الذي يبدأ الآن مع 50 امرأة على الأقل في 25 محمية محيط حيوي، سينظم بعض دوراته التدريبية المقبلة في كمبوديا، حيث سأتمكن من تمضية بعض الوقت مع مربيات النحل هناك. وأتمنى أن تنضم إلى المبادرة المزيد من النساء اللواتي يعملن على مشاريع شبيهة حول العالم.
حماية النحل بمناسبة اليوم العالمي للنحل، وبهدف تعزيز التوعية حول حماية النحل، وقفت “أنجيلينا جولي” أمام كاميرا “ناشونال جيوغرافيك”، وهي مغطاة بالنحل. وتصف لي هذه التجربة بالرائعة، وتشرح فكرتها الأساسية التي تهدف إلى تغيير نظرة الناس إلى النحل، فيرونه مرتبطا بنا بدلا من أن يخشوه. فالتصوير ترجم هذه الفكرة عبر وقوفها وهي “ترتدي” نحلات تحط على جسمها وتمشي عليها.
تعتبر “أنجيلينا” أن نشر التوعية طريقة يسهم بها أي شخص في حماية النحل، فمجرد أن ندرك أن ثلث غذائنا يأتي من المخلوقات الملقحة يجعلنا أكثر اهتماما بالموضوع، وقد يحضنا أيضا على فعل خيارات مختلفة.
وقالت لي لدى سؤالها عن نصائحها لمن يريد أن يسهم في حماية النحل من خلال خطوات يومية: قد يشعر الكثيرون أن أزمة التغير المناخي وتداعياتها موضوع معقد ومربك. لذلك يجب تزويدهم بمعلومات واضحة وأفكار ملموسة تتيح لهم المساعدة. والجميل في مبادرتنا أنها تسمح للكثيرين بالمساهمة والمساعدة، إذ بإمكان أي شخص أن يربي النحل، ويزرع أزهارا جديدة حتى ولو لم يملك قطعة أرض. أمامنا جميعا فرصة فعل بضعة تغييرات صغيرة وإحداث فرق.
“أنجيلينا” زرعت بنفسها الكثير من الأزهار البرية حول بيتها، وتعمل على تربية بضع نحلات وإيجاد مكان مناسب لخلاياها. كما تدير مؤسستها الخيرية “مادوكس جولي-بيت فاونديشن”MJP Foundation برنامجا صغيرا لتربية النحل في كمبوديا. وبالنسبة إلى الشركات التي تعمل في قطاع التجميل، فتنصحها “أنجيلينا” بأن تصبح مسؤولة أكثر، وأن تعزز مشاريعها الخيرية وطرق عملها التجارية المنصفة التي تعطي الإنسان والبيئة، فهذا النوع من المشاريع برأيها هو السبيل الوحيد للمضي قدما.
الإنسان أولا تركز “أنجيلينا جولي” في أعمالها الخيرية على الإنسان، وتقدر الاختلاف والتنوع الموجودين في العالم، مشددة على أهمية تقبل اختلافاتنا والاحتفاء بها. إحدى أهم القضايا الإنسانية التي جذبت اهتمامها قبل عشرين عاما هي قضية اللاجئين والنازحين، وقد عينتها “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” UNHCR مبعوثة خاصة.
القصة بدأت حين كانت هذه الممثلة الأيقونية تقرأ كتابا عن عمل الأمم المتحدة، واستوقفها فصل عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فاتصلت بعد ذلك بمكتب المفوضية في واشنطن، وطلبت موعد زيارة. ومن هنا، بدأ تعاونها مع المفوضية، وبدأت تسافر مع فريق عملها في مهمات ميدانية حول العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط التي زارتها مرات عدة وتحبها جدا.
وعن اختيارها هذه القضية تحديدا، قالت لي “أنجيلينا: الظلم يغضبني، وأنا لا أستطيع الوقوف مكتوفة اليدين أمام معاناة غيري، وتحديدا أمام ما يعانيه النازحون الذين يهربون للبقاء على قيد الحياة، ويجبرون على الخروج من منازلهم ومغادرة أوطانهم. وتقلقني اليوم أرقام اللاجئين المتزايدة، وحاجاتهم الكثيرة التي تواجه تراجعا في الدعم والمساعدات، فهناك اليوم أكثر من 82 مليون لاجئ ونازح في العالم.. نحن في مسار مخيف للغاية.
تطرقنا بعد ذلك إلى تداعيات جائحة “كوفيد-19” وتأثيرها في وضع اللاجئين ومختلف الأشخاص المعرضين للخطر حول العالم. فأعربت عن قلقها في ما يتعلق بالآثار الاقتصادية التي تهدد النازحين، وأكدت أنها تعمل يدا بيد مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تعزيز الوعي حول تأثير هذه الأزمة العالمية والحقائق الموجودة “على الأرض”. كما تحدثت لي عن العنف المتزايد خلال فترة الإغلاق والحجر، والذي طال أكثر الناس عرضة للخطر، مثل الأطفال؛ وأطلعتني على موضوع الكتاب الجديد الذي تعاونت مع “منظمة العفو الدولية”Amnesty International في إصداره، والذي يتوجه إلى الشباب والأطفال ويتناول حقوق الطفل.
في اللحظات الأخيرة من حديثنا الذي تمنيت لو لم ينته، سألتها عن تجربتها مع الحجر المنزلي الذي كان مفروضا، فقالت إن الأمر الأهم بالنسبة إليها كان الحفاظ على الهدوء من أجل أولادها وتوجيه طاقتها نحوهم ونحو تعافي عائلتها بعد التقلبات والأوقات الصعبة التي مرت بها في الأعوام الأخيرة. وحين قلت لها إنه علينا محاولة الاستمتاع بكل لحظة من لحظات الحياة، ابتسمت ابتسامة من القلب والروح وقالت: “نعم! علينا فعل ذلك، فهذه هي حقا معادلة الحياة”.
التعليقات مغلقة.