الموقع الرسمي لمحاور المشاهير عدنان الكاتب

حوار مع رائدة الأعمال السعودية نعمة بنت عبدالمحسن السديري

 رائدة الأعمال نعمة بنت عبدالمحسن السديري، المتخصصة في مجال الفنون والثقافة منذ عشر سنوات بشكل احترافي، بدأت قصتها مع الفن منذ الصغر، فقد نشأتُ في أسرة تحبّ الفنّ وتقدِّره وصارت ترى الفنّ أساسا في حياتها. فالتحقت بجامعة جورج واشنطن في مرحلة البكالوريوس لدراسة الفنون الحرة، ودرست الأنثروبولوجيا تخصصا مساندا. ومن خلال أدوارها المختلفة في الحياة، سواء بصفتها زوجة، أو أما لولدين، خالد وسلطان، أو صديقة، أو رائدة أعمال تسعى نعمة لتمكين المواهب بالاستماع إليها وتبنّيها، أو بناء منصّة لتجعلها مسموعة ومرئية، إذ تؤمن على حد قولها بأن المواهب كلها تموتُ بالصمت، وهذا أمرٌ لا تستطيع تحمله شخصيا.

 

حوار: عدنان الكاتب Adnan Alkateb

 

 

بدأنا الحوار مع نعمة بالحديث عن رحلتها في عالم الفن؟ وما أول ما جذبك إليه فقالت:

نشأت في بيت محب للفنون بجميع أنواعها، فوالدي شغوفٌ بالتصميم ويحب اقتناء الأعمال الفنية، ووالدتي شاعرة، وكان والدي يحكي لي دائما قصة كل قطعة جديدة يضيفها إلى المنزل، سواء كانت لوحة أم قطعة أثاث، وغير ذلك الكثير، وهو ما وثّق العلاقة بيني وبين الفنّ.

التمس والداي أني أميلُ للفنون، فحرصا على تنمية الحس الإبداعي أينما كنّا، فالتحقتُ بدوراتٍ في التصوير الفوتوغرافي، وعزف البيانو، والرسم، وكنت أجد فيها جميعها متنفسا لي ولأفكاري، ومن هنا جاء التحاقي بتخصص الفنون الحرة، ومن ثم تكريس نفسي للعمل في القطاع الفنيّ.

 

كيف تصفين مشهد الفن المعاصر في السعودية وثورة الفنون الحديثة التي تشهدها المملكة؟ 

لو أردنا تأريخ الحركة الفنيّة في المملكة، لقلت أنها تنامت في فترة السبعينيات، وظهرت أسماء كبيرة لفنانين وفنانات سعوديّات ممّن رسموا ملامح الفنّ السعودي الذي نراه الآن. ومع إطلاق رؤية المملكة 2030، أصبح المشهد الفني السعودي أكثر حضورا محليا، وإقليميا، وعالميا أيضا.

للفنّ في السعودية مساحة واسعة جدا، فهي مهدٌ لحضارات عريقة نرى نقوشها شمالا وجنوبا، وتكاثفت الجهود لرسم استراتيجيات تنظّم القطاع على اتساعه، سواء الطهي أم الموسيقى، أم الأدب، ومنها ما يسهم في إحياء الحرف والتراث، والقوانين التي سُنّت لإبقاء المعالم الأثرية ومنع هدمها، إضافة إلى التشجيع على السياحة الثقافية الفنيّة، كل هذا يحرسُ فنوننا وثقافاتنا، ويدعونا ويدعو العالم إلى التمتّع بما نزخر به من مقومات فنيّة وثقافيّة.

وبصفتي ممارسة ومتخصصة في الفنون، أشعر بمزيجٍ من الفرح الغامر والمسؤولية العالية تجاه التغييرات الجارية الآن، وأسعى لأن أكون عضوا فاعلا يسهم بخبراته في قطاعه ووطنه.

 

معرضك “مساحة الآن الفنية” أحدث نقلة نوعية في كيفية التفاعل مع الفن في مدينة الرياض والسعودية بوجه عام. حدثينا أكثر عن خفايا لا نعرفها عن المعرض، وهل أدركت حجم التأثير الكبير في مشهد الفن السعودي المعاصر؟

نشأ معرضي “مساحة الآن الفنية” عام 2012 في وقت التمست حاجتي الشخصية باعتباري فنانة تبحث عن مجتمع فني يزخر بالمواهب الفنية ويدعم فيها المجتمع بعضه البعض في إنتاج الأعمال الفنية ومساحة تقييم المعارض الفنيّة أيضا تحت سقف واحد، وامتد تأثيره ليكون فعلا ملتقى للفنانين والمبدعين كما كنت آمل له أن يكون عند تأسيسه، وقد تفرعت عنه مشاريع كثيرة، وأعتز بأنه كان منصة انطلاق لعددٍ من الأسماء الفنيّة السعودية المعروفة اليوم.

 

كيف تصفين رؤية مساحة “لكم” الفنيّة؟

أنظر إلى مساحة “لكم” بوصفها امتدادا لمساحة “الآن” الفنيّة، إلا أنها تتفرّد في نطاق عملها في المملكة، وهي استكمال للمشهد الفني السعودي، فهي حاضنة متعددة التخصصات تتألّف من معرض فسيح، ومكتبة، وكونسبت ستور، ومقهى كل ما من شأنه أن يخلق بيئة حاضنة ومتكاملة بأحدث التقنيات، سواء للعمل، أو للاستمتاع بالمصادر المتاحة عموما. ومن المهام التي أخذتها مساحة “لكم” الفنيّة على عاتقها الترويج للفن السعودي وخلق مجتمع داعم له، والاحتفاء بالفنانين السعوديين وتبنيهم وإلقاء الضوء على مواهبهم في المشاركات العالمية.

 

تدعمين بشكل أساسي الفنانين الشباب والناشئين. كيف تبنين علاقاتك معهم؟

سهّل وجود وسائل التواصل الاجتماعي بناء العلاقات مع الفنانين والفنانات الذين لم يُلقَ الضوء عليهم إلى الآن في المشهد الفني السعودي. فعندما أنتبه لهذه المواهب، أتواصل معهم وأزورهم في استوديوهاتهم وأقيّم أعمالهم، وأساعدهم للوصول إلى قيّمين فنّيين مهتمين مناسبين لهم. كما نوفر فرصة الإرشاد المهني للفنانين الصاعدين، سواء معي أو مع شبكة العلاقات الممتدة من المختصين في المجال الذين يسهمون بتعليمهم أبجديات العمل الفني الاحترافي، مثل كيفية إعداد البورتفوليو، وتنظيم الوقت، واستراتيجية تسعير أعمالهم، وآلية نقد الأعمال. ونحنُ بذلك نمكنّهم بالخبرات لإعدادهم بشكل أفضل للمشاركات العالمية والالتقاء بالفنانين من حول العالم باحترافيتهم العالية ومهاراتهم المصقولة.

 

 

ما التحديات التي تواجه “القيّم” الفني والأفراد القائمين على تنسيق فعاليات معارض فنية اليوم؟

تعكف وزارة الثقافة اليوم على بناء البنية التحتية للقطاع الفني، إلا أنّ الصورة لم تكتمل إلى الآن من ناحية القوانين والأنظمة التي تسهّل عمل القيّمين والمنشآت أيضا، لكنّ الجيد في الموضوع أن كثيرا منها يُصاغ الآن، ويعود هذا إلى العمل الدؤوب التي تضطلع به وزارة الثقافة في تنظيم القطاع.

 

أين وكيف تجدين فنانين جددا للتعاون معهم  وعرض أعمالهم؟ وما الذي تبحثين عنه عند اختيار  فنان جديد لمعرضك؟

أحرص على حضور المعارض الفنية، سواء في مدينة الرياض أو خارجها لبناء العلاقات من جهة، وللتعرّف إلى الأساليب الفنيّة الجديدة والاستلهام من جهة أخرى، كما أجد فيها دوما فرصة لاستكشاف المواهب الفنية الصاعدة الذين لفتني حضورهم وأعمالهم. ولكن الباب مفتوح أيضا للفنانين للتواصل معنا مباشرة عبر الإيميل أو وسائل التواصل الاجتماعي. وفي وقت أرى فيه ازدهار القطاع والممارسين فيه، أقول إني أحب العمل مع الفنان الذي يخلق فنا أصيلا ومبتكرا.

 

ما الذي يجعل المشهد الفني في الرياض  فريدا من نوعه؟

مدينة الرياض هي القلب النابض للمملكة إن صحّ التعبير، ففيها الجهات الحكومية على تنوع قطاعاتها، وصنّاع القرار بمختلف مناصبهم، وهي مدينة تزداد جاذبية لما تضفيه من تجارب لزوارها القادمين للعمل أم السياحة أم الترفيه والاستمتاع بالفن. وعندما نجدُ اهتماما تشريعيا في أي جانب، من الطبيعي أن يزدهر، وخذ على سبيل المثال عمل الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض ومشاريعها المعنيّة بتعزيز وجود الأعمال الفنية في الفضاء العام، فتخيل معي النمو الفني والثقافي الذي يجده الزائر في كل مرة!

 

ما دور المساحات الفنية في تنمية وتطوير المجتمعات فنيا واجتماعيا؟

التمستُ شخصيا أثر انتشار المساحات الفنية في كل من حولي، إذ أصبحوا أكثر حساسية وتقديرا للفن بشكل عام، وأصبحت زيارة المشاريع والفعاليات الفنيّة من مخططات الأفراد والأسر كذلك. فقد تنامى اهتمام العائلات في قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مساحاتٍ فنية، وصار بعضهم يعوّد أبناءه على الفنّ والإبداع كجزء من عطلتهم وتنمية المهارات الفنيّة وتقدير الإبداع.

 

تشهد مدينة الرياض زخما فنيا من الطراز الأول مع انطلاقة مهرجان “نور الرياض” ضمن فعاليات “رياض آرت”، وقريبا “بينالي الدرعية” و”أسبوع مسك للفنون”.. ما دوركم في تعزيز المشهد الفني في مدينة الرياض، ومن ثم تحويلها إلى عاصمة فنية ثقافية عالمية تماشيا مع رؤية 2030؟

سعيدة جدا أن أشهد هذا الاحتفاء غير المسبوق بالفنون، وتوالي الفعاليات والمشاريع واحدا تلو الآخر على مدار السنة. وسعادتي أكبر بأن يأتي افتتاح مساحة “لكم” الفنية متزامنا بتوجهه وتوقيته مع انطلاق “أسبوع مسك للفنون” و”بينالي الدرعية” للتأكيد على أهمية القطاع الخاص الذي يكمّل جهود الجهات الحكومية والقطاع غير الربحي كذلك، ليرسم صورة أكثر شمولية للمشهد الفني اليوم ويضع الرياض على الخريطة العالمية للفن.

 

من أين تستمدين قوتك وإلهامك؟ 

أستمد قوتي من عائلتي من دعم أسرتي وزوجي وأبنائي. أستمد قوتي من زملائي وزميلاتي وفريق عملي الذين يستمرون في إدهاشي باحترافيتهم ومهنيتهم العالية وأفكارهم المتجددة وعطائهم ودعمهم المستمرَين.

أما مصدر إلهامي، فقد يكون من الأمور البسيطة الصغيرة كأغنية تتردد في أذني، أو عبارة استوقفتني صباحا، أو في شكل تشققات طلاء جدار أمرُّ من أمامه، فالإلهام، لا يقتصر على الأعمال الفنية الكبرى التي أراها في المتاحف والمعارض، بل ربما يكون من أمور صغيرة قد تكون عابرة لمن لا يتمهل ويتأمّل.

 

ما الشغف بالنسبة لنعمة؟ 

الشغف بالنسبة لي هو الدافع الذي يأخذني للإنجاز، وإن كنت منزعجة أو غير راغبة في العمل، إنه المزيج الذي يجمع الإصرار مع الحب والرغبة الملحّة للوصول لأماكن أبعد.

 

كيف يغزو الفن عالمك الخاص؟ وهل تتعاملين مع الفن بشكل مختلف عند النظر إليه من منظور التجميع والتنظيم في مساحتك الخاصة؟ 

أحب إحاطة نفسي بكل جميل، أحب أن أجد نفسي دوما في مساحةٍ تشبهني وتعبّر عني، سواء بالمقتنيات التي أجمعها من رحلاتي، أو رسومات أطفالي، أو غلاف كتاب لفت انتباهي. وأما بالنسبة لاقتناء الأعمال الفنيّة، فأنا أحب اقتناء أعمال لفنانين من الشرق الأوسط، وتحديدا الأعمال ذات الهُوية الواضحة كالتي تحتوي على الخط العربي، أو التي يكون عنوان العمل فيها مرتبطا بهوية الفنان، أو التي تكون قصة العمل نفسه فيها تلامسني شخصيا، وكل هذا يوقد شعلة الإلهام بداخلي، ويجعلني دائما توّاقة للعمل، لأن مساحتي انعكاسٌ لما في رأسي.

التعليقات مغلقة.